الأربعاء، 1 يونيو 2011

الثقافة بعد انهيار الأنظمة الشمولية (4)



الأدب الروماني

تبدو الأنظمة الدكتاتورية مثل قطع مفاجئ في تاريخ تطور ثقافات الشعوب، وذلك بفرضها نمطا واحدا في القول والكتابة ذات الطبيعة الدعائية، وقد يدفع هذا الأدباء والكتاب بعد زوالها إلى أن يكون موضوعهم الأثير هو تجسيد القمع والاستبعاد، وتدمير الأيديولوجيات ذات البعد الواحد لعلاقة الإنسان بالآخر، كما هو حال أعمال كونديرا أو هيرتا موللر الرومانية الأصل التي فازت منذ عامين بجائزة نوبل في الآداب.
وتستكمل القبس تحولات الأدب والثقافة في البلدان التي عانت من الأنظمة القمعية، وما آلت إليه بعد تحولها الديموقراطي. وكيفية تعاطي الأدباء مع الحالتين، وذلك باستعراض مسار الأدب في رومانيا.
لم ينقل إلى اللغات التي نعرفها، ما يبرز القيمة الحقيقية للأدب الروماني المعاصر، رغم اقتناعنا باستناده على تاريخ من الملاحم والمخطوطات المحفوظة في الكاتدرائيات والأغاني والروايات المحكية.
وعدم ظهور كاتب في رومانيا تسوّق له عشرات الملايين من النسخ ويقرأه العالم كله ليس بالمقياس الفني، بالنظر إلى أن هذا النوع من الكتاب أصبح نادرا في المنظومة الأدبية الكونية الآن (يوجين يونسكو وتريستيان تازار وقسطنطين جورجيو استثناء الطفرة التاريخية).
في كل الأحوال، هناك مراجع مهمة ونادرة يمكن الاطلاع عليها لدراسة هذا الموضوع مثل: بيوغرافيا الأدب الروماني المعاصر 1994، كتب العقد 2003، ومجلدين عن الأدب الروماني المعاصر لأيون سيموت 2007، جامعة أوراديا، وبانوراما الأدب الروماني المعاصر 2008 (ألف صفحة بتحرير إيرين بيتراس)، والعديد من كتب الشعر والرواية والنثر والنقد التي يمكن تحميلها من مواقع مختلفة.
أصول الأدب الروماني
تعود أصول الأدب الروماني إلى النصوص الدينية للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والأسفار والترجمات عن اليونانية والجهود المبكرة لنشر الإنجيل، الذي لم ينشر بالكامل في رومانيا لغاية نهاية القرن السابع عشر.
ومن الآثار الأدبية الأولى كتاب عن تاريخ مولدافيا ورومانيا لميرون كوستن ومشاهد عن الإمبراطورية العثمانية، التي لم تسمح بتطور الأدب الروماني، رغم ظهور أغاني الحب للشاعر أليسي فاكارسكي، التي كان تأثير الثقافة اليونانية جليا فيها، كما أثرت في الكتابات اللاحقة لجورجي أساشي ودينيس غولسي.
وكتطور طبيعي بدأت الأفكار الثورية تبزغ لدى الكتاب الرومانيين الذين يرزحون تحت الحكم الأجنبي، وخاصة خلال ثورتي 1821 و1848، التي أثمرت ظهور حركات تطالب بتعزيز انتشار الثقافة اللاتينية والبحث عن أصول اللغة الرومانية، مما ساعد ذلك على تلقي العديد من الرومانيين تعليمهم في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وكذلك فتح مدارس اللغة والأدب داخل رومانيا التي ظهرت أول مجلة تعنى بلغتها، ومن ثم تم إنشاء المسرح الوطني في بوخارست، مع بروز شعراء غنائيين وكتاب نثر مثل فاسيلي الكساندري وميهاي إيمينيسكي.
العصر الذهبي
شهد الأدب الروماني عصره الذهبي، بعد توحيد البلاد عام 1918، حيث تطورت الرواية بداية من «راسكولا» لفيو ريبراني التي نشرها عام 1932 مستوحاة من ثورة 1907 للفلاحين، و«حفلة باخ» لكميل بيتريسكو، و«آخر ليلة حب، أول ليلة حرب» لجورج كالينيسكي، وهو مسرحي وشاعر وناقد ومؤرخ وروائي.
كما يسجل تاريخ الأدب الروماني مساهمات في الرواية الواقعية لميخائيل سادوفيني الذي ركز على تاريخ مولدافيا، والأهم منه في هذه المدرسة تيودور أرغيزي الذي يقال انه خلق ركائز جديدة للقصيدة الرومانية الحديثة.
بعد الحرب
ينظر النقد الأدبي على ان مارين بريدا، أهم روائي روماني، ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة رواية «الأسرة» التي يتناول فيها حياة ومصاعب عائلة فلاحية في مرحلة ما قبل الحرب، وفي وقت لاحق بعد الحقبة الشيوعية في رومانيا.
كذلك استقبلت القصص القصيرة لمايك أورومبسي بحفاوة في منطقة البلقان ورومانيا.
ومن الشعراء البارزين في هذه المرحلة نيكيتا ستانيسكي ومارين سورسكي وآنا بلاندينا وستيفان أوغستين وليونيد ديموف.
وفي ظل تشاوتشيسكو ونظامه الذي حكم رومانيا في الفترة 1989/1965 مورس ضغط قوي على الكتاب الرومانيين في الداخل، مما أجبرهم على اختيار المنفى.
أدب الخاسرين
علاوة على ذلك، فإن حال انتشار الكتاب وتداوله في زماننا، لا يعطي إلا صورة مقلوبة لحشود تندفع نحو الضعيف والسطحي والسهل، وتنفر من الأكثر ذكاء والمفتوح بلا حدود، مما يجعل ميزان «القيمة العادلة» مقلوبا بدوره.
وحتى من خلال تجوالنا في مكتبات العالم، لم نجد في أرففها البراقة والواطئة منها والعالية ما يعبر عن «أدب الخاسرين»، أولئك الذين ترفعوا عن إنتاج أدب الاستهلاك الرخيص والبسيط والمستعجل.
ولكي نترك السخرية جانبا، فإن حرجا لا يستهان به، سيطول كل من ينبش في الأعمال المجهولة، وتلك التي لا يتحدث عنها أحد، والكتاب الذين لا يقيمون الحملات لإضاءة أسمائهم وترويع عقدهم أكثر فأكثر ومن يلجأ للطرق المتواضعة جدا للدعاية لنفسه.
ومع ذلك، ظهر في رومانيا في العقود الأخيرة ما لا يقل عن عشرة أدباء يملكون قيمة حقيقية ومعظمهم من الشباب، تتصدر عناوينهم مكتبات بوخارست وملتقياتها الأدبية، لا سيما رازفان رادولسكي الذي تميز برواياته الباطنية وغموضه الجذاب، مما دفع نحوه دور النشر الألمانية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية، وحاز على جوائز أدبية.
أدب المنشقين
بعد عام 1989 تحدثت الصحافة والمجلات الأدبية الرومانية كثيرا عن كتابها المهاجرين الذين تركزوا في ألمانيا، والذين أسسوا ما أطلق عليه أوقات نظام تشاوتشيسكو «أدب المنشقين».
وهو الموضوع المفضل بلا شك، لمن يريد متابعة تطور الأدب الروماني بعد سقوط الأنظمة الشمولية والاطلاع على «جماليات المعارضة»، وسلطة الرموز المتقنة التي أخذت مساحة واسعة من أعمالهم.
وإذ نعتمد على تحليل كورينا بتريسكو، نجدها سلطت في أبحاث عديدة «مزايا وعيوب» الأدب الروماني في الفترة ما بين الحربين العالميتين، وكذلك تطور أدب المهجر حسب مراحل كل مأساة داهمت البلاد.
لقد قدمت بتريسكو أوراق بحث جدا مهمة عن الأدب الألماني في رومانيا أيضا ونشرتها في مجلة جامعة هاينريش هاينه ــ دوسلدورف وجامعتي جورجيا وفيينا.
أدب المقاومة
تنتهي الحرب وتبدأ الدكتاتورية كمكافأة للأدب المقاوم، الذي برز في الأعوام الرومانية القاسية (1989/1948)، لتظهر منه رائعة كونستانتين جيورجيو «الساعة الخامسة والعشرون»، وروايات رأت النور فيما بعد مثل «ليلة منتصف الصيف» لميرسيا إليادي.
وبطبيعة الحالة كان التوجه للالتزام بـ«الواقعية الاشتراكية» أسلوب رقابي لما ينشر، وكانت الأحكام على أساس هذه المدرسة ولا تتبع لسيادة المعايير الجمالية.
وفي هذا الاطار، يمكن إعادة تقييم أعمال نيكولاي بريبان ورادو بيتريسكو وأوكتافيان وأوغسطين بيزورا.
الأدب الألماني في رومانيا
يبدو ان الأدب الألماني في رومانيا حلقة معاكسة لأدب المهجر، فاليهود الألمان وحتى الألمان من غير اليهود هاجروا إلى رومانيا هربا من النازية، واستمرت كتابة الفارين من الجحيم الألماني بالنمو، ويمكن ملاحظة هذا الأمر ليس في تاريخ الأدب الألماني فحسب، بل في السوق أيضا، كما أشار لوكا هولدن إلى التمييز والتهميش الذي تعرض له المهاجرون في رومانيا سواء من أقرانهم أو النقاد على حد سواء.
ثورة البنات
من ناحية أخرى، بدأ أدب المهجر (من وإلى رومانيا) يأخذ مكانه بثبات في الآداب الكبرى في أوربا الغربية، وكان فوز هيرتا ميللر بجائزة نوبل تتويجا للتعددية الثقافية، وبمنزلة اعتذار للتجاهل الذي تعرضت له «الأقلية الألمانية» في الأدب الروماني، وانتصارا لمحاربي قمع الأنظمة الشمولية، ويمكن الاطلاع على استعراض بمنتهى القيمة لتانيا بيكر من جامعة تيميشوارا بوليتكنيكا حول النساء المهاجرات إلى رومانيا (وبالعكس)، اللائي تميزن في الفضاء المختلط وطرحهن المفاهيم الرومانية بسياق ألماني، بالإضافة إلى ميللر نجد: اليزابيث بوشاني وفرانشيسكا بانسي وايغينالد شالتنر وغابرييلا ميلونسكي التي عملت في إذاعة أوربا الحرة.

تأسيس الدادائية
لقد نشأت هذه الحركة الثورية العدمية الفنية بفضل تريستان تزارا المولود في رومانيا، وهو شاعر وكاتب، تخلى عنها في وقت لاحق لحساب السريالية ومن بعدها الماركسية.
ولعل تزارا شيد أمتن حلقة وصل بين الثقافة الرومانية والغربية ونقلها بمفهومنا المعاصر إلى «العالمية»، وساهم بعمق ونشاط في وضع الدادائية والسريالية في طليعة الحركات الثورية للحداثة.

النقد الأدبي
تميز العمل الضخم للبروفيسور نيكولاي مانوليسي، الذي تناول فيه تجاربه في الحياة والقراءة وصدر عام 2000، واعتبر من أهم ما صدر في مجال النقد الأدبي، فيما عدّه آخرون بيانا عن الحياة الثقافية الرومانية في القرن العشرين.
كما تميز نقاد شباب مثل الكسندر ستانسكي ودانيال إيناش ونيكولاي إيونا ودانيللا زيكا وسيسليا ستيفانسكي وكثيرون جدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق