الأحد، 3 مايو 2009

نساء في ليالي الحروب: لعنة القهر والمعاناة

المستقبل - السبت 18 نيسان 2009 - العدد 3280 -

على مدار السنوات القليلة الماضية تنقل المراسل الصحافي الدكتور جمال حسين، بين بلدان ومجتمعات كوتها نار الحروب فأحرقها أو كادت وشردت عائلاتها ورمّلت نساءها ويتمت أطفالها. يروي المؤلف في هذا الكتاب الشيق، قصصاًَ ويجري مقابلات مع عدد وفير من نساء تلك البلدان اللواتي كابدن اصنافاً من المآسي تشيب لها رؤوس الولدان.
من افغانستان وبلاد الشيشان الى إيران والعراق. نساء تولين دور الأب والأخ. نزلن الى اسواق العمل فأصبحن بائعات وسائقات وفلاحات ومدرسات وربات منازل. سقط الفاصل بين دور المرأة ودور الرجل فزالت الممنوعات والمحرمات والمحظورات. وباتت كل المهن متاحة امام المرأة. ورغم هذا وذاك، لم تفقد المرأة انوثتها في تلك البلدان المشرعة ابوابها على أتون الجحيم.يكتب المؤلف في المقدمة: ان حكايات النساء ستبقى في محن الحروب الأكثر إفراطاً بثقل الحقيقة كتمهل فراشات عند حقول تحترق، اللواتي لا يمتلكن الا جلودهن وحيرة الاطفال وقفار الشوارع الملتهبة. ولا ندري لماذا بعد كل حرب نعيشها ونكتب عنها تبقى صورة واحدة خالدة تقتنص الذاكرة. لا بد في كل مرة ان تكون لامرأة تبعثر الابجدية وتلقن الدرس الصحيح.يستهل المؤلف كتابه بصور النساء الافغانيات كما حافظن على غيومهن ولهجة نجوم اعينهن بتموج الخمار وسلالة الاغطية المتعددة التي تحجبهن. وكيف استطاعت يد الغريب رفع النقاب عن جمالهن، ذلك الجمال الذي لا يدانيه احد ولا حتى قطرات المطر في الصحراء كيف كانت المرأة الافغانية تقضي يومها. بل ما الذي جعلها تقضيه مع السنوات العجاف من حقول الرجال الحارثة ما يمت لها بصلة، لنفسها وللشفق.من المرأة الافغانية الى مثيلتها الشياشانية، الى القوقازية الشماء التي تعودت دفن الزوج والولد والوالد. تأتي الى الدنيا محروقة الأكف، مكسورة الزينة وهي المحطة في طوابير الفقراء.
يضيف الكاتب قائلاً: وان كنا في جوار الشيشانيات والافغانيات عابري سبيل فقط، فما الاغنية التي يمكن تردادها مع كرديات العراق.. نوافذ نصف قرن من الحروب والمعارك وقناطر التعب وأسقف المأوى للثوار والمطاردين، مع الزوج الذي لا يقضي في كنف زوجته غير نصف ليلة وربع قبلة، ليبقى خدها ناشفاً بانتظار إطلالته أو نعشه.
كم تسنّى لهن من جروح لينهضن من جديد، كما شقيقاتهن في العراق الآخر الممتلئ بالنواحات والنادبات والكسيرات والحاملات اللعنة من المهد. كنداوة فجر مقبلات على الحياة. عصافير اقتلعت أجنحتهن قسراً.في المربع النسائي لأربعة أقاليم كتبت عليها الحروب وامتلاء الموت، تتوحد النسوة في أفغانستان والشيشان وكردستان والعراق في رصّ أعمدة المنزل والعمل المتواصل نيابة عن الجميع وملاءمة الفرح مع الشدائد وإضاءة قبو الحياة المعتم. هن صور الحرب الباذخة المتوحشة ومسلتها الواهنة، صديقات الأشجار ومطفئات النيران.
وهن الجبال التي لا تنخ إلا عند الانهار والأرجح، كما يرى الكاتب، هن طهارة البلدان التي احترقت. من ذاكرتهن نستبدل، هذه المرة، المزج الأول لحزن الحروب المدنسة، فاتحين صهوة الأبواب لهن ليحكين ما لا يروى، عن بلدان ما عادت تستطيع الكلام.
يتضمن الكتاب الفصول الآتية: الأفغانية (كيف تقضي المرأة الأفغانية يومها؛ في البحث عن الجسد المفقود؛ رفع النقاب عن الجمال الأفغاني)؛ الشيشانية (الشيشانية الأخرى؛ الأرض المحروقة بالنساء)؛ الكردية (شجرة المرأة الكردستانية)؛ قمحة النار (عربة الرغبة؛ بارك الحب؛ حسناوات.. ولكن ضابطات)؛ العراقية (إعلان سافر لـ"منقبات" البرلمان العراقي؛ شارع البنات؛ بهجة الجميلات الصابرات؛ هروعها الى العيد لفضّ الغيظ؛ الحب في بغداد؛ مباراة الجمال بين العراق وإيران؛ قيثارات حرب؛ سائقات في طرق الموت والفوضى؛ زمان المعيديات).
تكمن أهمية هذا الكتاب في احتوائه على شهادات حيّة وأحداث رأتها العين وخبرتها، وأقوال التقطت من على مسرح المعاناة مباشرة. واللافت أن المؤلف غالباً ما يضمن أسلوبه، في نقل الوقائع، لغة ينبغي أن تقرأ بين السطور. لا يكتفي بنقل مشاهده، على نحو من لغة تقريرية أو صحافية إذا جاز التعبير. يذهب بالتعبير الى حيث ينبع من قلب هؤلاء النسوة وضميرهن الفردي أو الجماعي. على هذا الأساس، يتحول الكتاب وثيقة تتجاوز السيرة الذاتية لنسوة يعانين بالفعل نمطاً من القهر والبطش يشبه اللعنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق